حتى إن بعضهم يقول: يلزمنا اتباع دين محمدٍ ظاهراً، ولا يلزمنا ذلك باطناً، يعني: أننا في الظاهر نصلي ونصوم مع المسلمين، وأما في الأحوال الباطنة والمعارف فيمكن أن نأخذ المعرفة عن طريق العارفين من البوذيين أو الهندوس أو النصارى أو ما أشبه ذلك، وأقرب مثال على ذلك -كما ذكرنا من قبل- ذو النون المصري ؛ فقد كان يذهب ويقابل العباد والرهبان في الأديرة، وفي المغارات، ويسألهم عن الحكمة، وعن المعرفة، وعن العبادة، وهم من عباد النصارى ، ومن أهل وحدة الوجود، أو الحلول، أو ما أشبه ذلك، وليسوا من أهل الملل الكتابية المعروفة، ومع ذلك يؤخذ كلامهم، ويقتدى بهم، وينتشر ذلك ويروج بين المسلمين، فيقول بعضهم: رأيت راهباً وسألته عن كذا، فقال لي: كذا! فهل كلام الراهب حجة؟ وهل يؤخذ بكلامه في معرفة الله، أو الدين، أو الإيمان؟ كلا؛ لا يؤخذ.
فنقول لهؤلاء الصوفية وأمثالهم: إن ولي الله لا يكون كافراً أبداً، فمن كان كافراً فلا ولاية له بوجه من الوجوه، ولا يؤخذ عنه، ولا يتلقى منه، ومن زعم أن أحداً يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم إما ظاهراً وإما باطناً، أو في أي أمر من الأمور، واحتج أو استشهد بخروج الخضر عن شريعة موسى عليهما السلام؛ فقد كفر، فمنذ أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم والخلق كلهم مأمورون بالإيمان به، واتباع دينه وشريعته، ولا طريق إلى الجنة، ولا إلى معرفة الله، ولا إلى الحق إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم، وما عداه فكل الطرق مسدودة، ولا تؤدي إلا إلى النار.
فهذه من أعظم عقائد المسلمين، ومن اعتقد غير ذلك فليس من الإسلام في شيء ولو تابع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور، فمن اعتقد أنه يجوز الخروج عن شريعته في أمور أخرى فإنه لا يكون مسلماً قط.
والمقصود: اعتقاد ذلك وتلقيه من غيره، وأما إذا ترك شيئاً مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فهو معصية منه وتقصيراً؛ فهذا حاله حال عصاة المسلمين المقصرين، وهم أكثر المسلمين إلا من رحم الله عز وجل، لذلك فإن حديث الولي يدل على الولاية الخاصة؛ لأن المؤمنين جميعاً أولياء لله.
والولاية الخاصة تنال بالتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، ولا شك أن الكافر غير داخل في شيء من الولايتين، فإذا كنا قد سلبناه الولاية العامة فكيف يكون من أهل الولاية الخاصة؟
ومن ضلال الصوفية في هذا الباب أنهم يجعلون هؤلاء الرهبان وأمثالهم من أهل الولاية الخاصة؛ الذين يتلقى عنهم الدين، ويسألون عن الحكمة، وعن الزهد، وعن الورع، وعن التقرب إلى الله، وعن أمور لا يسأل عنها الأنبياء، أو من يفتي بميراث النبوة.